الاثنين، 23 يوليو 2012

تأملات من صحاري سيناء - الجزء الثاني


الجزء الأول

إن بدو سيناء هم أناس أقرب للطبيعة وسوف يحتفظون بهويتهم البدوية طالما حافظوا على هذه الرابطة مع الأرض.وعلى الجانب الآخر لابد لهم من إيجاد وسائل جديدة من أجل البقاء حيث أن الطبيعة لها تقلباتها ولا يمكن للطبيعة وحدها -الآن- أن تمدهم بجميع أسباب حياتهم كما كان معهودا في السابق.

ويمكن للسياحة إذا طبقت بأسلوب عملي وواع أن تكون عاملا مؤثرا للحفاظ على العادات والتقاليد والبيئة الطبيعية وفي الوقت ذاته يمكن أن تشكل مصدرا من مصادر الدخل للأسر البدوية. ويوجد في الغرب الآن اتجاه جديد للبحث عن بدائل السياحة التقليدية والمعتادة ويمكن لمصر أن تصبح جهة جذب رئيسية للسياحة البيئية -المترجم الاهبل كاتبها الاقتصادية- . وهذا ليس فكرا دعائيا هدفه الترويج وكفى بل هو فلسفة وعقيدة تحترم الطبيعة والثقافة وتكفل حياة مستقرة للمجتمع البدوي تُبنى على تلك الفلسفة.

نحن تحت رحمة الطبيعة وهي أكبر منا بكثير وربما يصعب على البعض استيعاب تلك الحقيقة إلا إذا أمضوا وقتا يعيشونه  معها بشكل كامل. ولو خضت هذه التجربة بحق ستجد نفسك مدفوعا لمتابعة دورات القمر وملاحظة ألوان شروق الشمس وغروبها وسف تحس لتباين الفصول طعما مختلفا عما اعتدته ومع كل سحابة تمر في السماء سترجو هطول المطر لأن الماء الذي اعتدنا الحصول عليه بوفرة في المدن هو شئ ثمين ونادر جدا هنا في وسط الصحراء والجبال.

"تُفرج".. هي كلمة يقولها الأهالي للتدليل على الهبات التي تتنزل عليهم من السماء وقد كان المطر متوفرا في الماضي بكثرة وبصفة دورية ويتذكر كبار السن نزول المطر كل أربعين يوما وتتدفق المياه من الوديان على مدار العام. حتى صغار السن يتذكرون ويتحدثون بحرارة عن تلك الأيام الخوالي التي شهدت حياة وفيرة مليئة بالخيرات وسط الجبال والصحراء. وما زال هناك المزيد من المياه في أعالي الجبال وفي باقي أرض سيناء هناك برك صغير من الجرانيت مملوءة بالمياه على مدار العام فضلا عن الشلالات الطبيعية والمياه التي تسيل بين الشروخ الصخرية طوال العام ناهيك عن توافر مئات من البساتين التي تتغذى على بعض الآبار القديمة.

لكن كما هو معلوم فإن "دوام الحال من المحال" وهناك تغيرات كبيرة في البيئة المحيطة. فالشتاء الماضي كان على غير العادة جافا مما أدى إلى موت العديد من الأشجار ومنها شجرة توت عتيقة في وادي جبال يناهز عمرها الألف عام. وتعد هذه الشجرة واحدة من ست أشجار فقط بقين من هذا النوع، تم زراعتها منذ أجيال مضت حتى يقتات عابرو السبيل على فاكهتها الزكية. وكان هذا الشتاء أسوأ فقد اقتربنا من فصل الربيع وما زال غياب المطر مستمرا فلا نقطة واحدة منه أو حتى ثلوج في أعالي الجبال وكان لا بد من التفكير في أسوأ الاحتمالات.


زولتان متراهازي (أو سلطان كما يحب أن يناديه البدو)
مجلة مصر الخالدة
العدد الأول: سيناء كما لم ترها من قبل
تصدر عن مركز توثيق التراث الحضاري والطبيعي

الأحد، 22 يوليو 2012

تأملات من صحاري سيناء - الجزء الأول

زرت مصر لأول مرة عام 1992 وقمت بالجولات السياحية التقليدية بين القاهرة والأقصر وأسوان وجبل سيناء وبعض أجزاء من ساحل البحر الأحمر. وفي العشر سنوات التي تلت رحلتي هذه أخذتني الحياة إلى مختلف بقاع الأرض إلى أماكن غاية في الروعة والجمال ولكني لم أنس أبدا زيارتي لمصر ولا طيبة ومودة الشعب المصري. لقد كانت تلك الزيارة هي أولى زياراتي لبلد عربي مسلم وقد نتج عنها تغير كبير في آرائي السابقة عن الدين والناس.

هذا وقد استوقفني كثيرا مما شاهدته من أحداث أوروبا الشرقية تتمثل في تطورات ما بعد الشيوعية فضلا عما عايشته ورأيته من جانب أقل لمعانا للرأسمالية في الغرب فعندئذ أدركت أننا قد فقدنا شيئا ثمينا وشعرت أننا نسير في الاتجاه الخاطئ وأحسست باحتياجي لمكان هادئ به تقاليد قوية وجذور ثقافية عميقة وذي طبيعة مسالمة ووجدتني على الفور أفكر في مصر.
عدت في عام 2005 إلى مصر لأتعرف أكثر على هذا البلد الجميل وأزور على مهل الأماكن التي لم يحالفني الحظ بزيارتها في رحلتي السابقة فضلا عن الأماكن التي سبق أن زرتها وتمنيت رؤيتها ثانية مرارا وتكرارا وخصوصا صحاري سيناء مترامية الأطراف وجبالها الشامخة المهيبة.

ولأن عملي يسمح لي القيام به من أي مكان طالما لدي اتصال بشبكة الانترنت لهذا قررت ما دمت سعيدا أن أبقى. وإلى الآن 2009 ما زلت أعيش هنا في مدينة سانت كاترين وقد نظمت حياتي بحيث أعود كل عام إلى أرض الوطن في أوروبا لقضاء بعض الأجازات القصيرة من أجل زيارة الأهل والأصدقاء.

ومما لا شك فيه أن الطبيعة والثقافة تلعبان دورا هاما أساسيا في المجتمعات المختلفة وفي مجتمع تقليدي مثل المجتمع البدوي نجد أنهما مرتبطان ارتباطا وثيقاوتؤثران على بعضهما البعض بشكل مباشر على الرغم من أن كلا من الطبيعة والثقافة لهما سمة التغير وبإيقاع سريع للغاية وقد عانت المنطقة بأسرها من الجفاف على مدى عشرات السنينمع فترات متقطعة غير كافية من الأمطار. وفي الوقت نفسه واجه البدو متغيرات سريعة مفاجئة بسبب التطورات التكنولوجية على مختلف الأصعدة دفعتهم لمواجهة التحدي المتمثل في ضرورة التأقلم مع هذه الحياة الجديدةمع الاحتفاظ بعاداتهم وتقاليدهم الراسخة في الوقت ذاته. وفي الواقع  لن يمثل استخدام السيارات والهواتف المحمولة والانترنت بالضرورة تهديدا إذا نجح المجتمع البدوي في التعايش ومحاولة التوافق مع نمطي الحياة المختلفين وربما تكون هذه هي الطريقة الوحيدة للاستمرار.


زولتان متراهازي (أو سلطان كما يحب أن يناديه البدو)
مجلة مصر الخالدة
العدد الأول: سيناء كما لم ترها من قبل
تصدر عن مركز توثيق التراث الحضاري والطبيعي

الزيارة الأولى

الكثيرون يظنون أن زيارة مدينة سانت كاترين أمر باهظ التكلفة وهو أمر ليس بالحقيقي على الإطلاق.. الوصول إلى المدينة -على أتوبيس شرق الدلتا من القاهرة- يحتاج فقط إلى تذكرة قيمتها 40 جنيها حيث يتحرك يوميا من موقف الترجمان (ميناء القاهرة البري) في الحادية عشر صباحا ويصل المدينة قبل السابعة مساءا.

هناك العديد من الأماكن التي يمكن المبيت فيها في هذه المدينة الطيبة.. نحن لا نتحدث عن الفنادق الفخمة بالتأكيد.. أنت تقصد تجربة بيئية مختلفة.. يوجد العديد من المعسكرات مثل (فوكس كامب) و(كامب الشيخ موسى) والتي تكون تكلفة المبيت للفرد في الليلة الواحدة 50 جنيها في المتوسط.. واطمئن فالخدمة جيدة والغرف نظيفة.

بالنسبة للطعام فيمكنك الاعتماد على مطعم المعسكر والوجبات التي تقدم فيه أو شراء ما تحب من محلات البلدة وتجربة المطعم الذي يقبع أمام مسجد (الوادي المقدس).

التحرك داخل سانت كاترين لاستكشاف وديانها وصعود جبالها يحتاج دائما إلى دليل ورسومه في اليوم 200 جنيه تقسم على المجموعة كاملة -على سبيل المثال لو كنتم 8 سيكون على فرد 25 جنيه فقط- وهو ما يجعل التكلفة بسيطة، دعك من أن البدوي من أطهر الناس وأقربهم للطبيعة فهو يعتز بنفسه ويكرم الضيف.

عند العودة يتحرك أتوبيس شرق الدلتا كل صباح في تمام السادسة ليصل القاهرة عند الواحدة ظهرا.. أبسط الزيارات لسانت كاترين هي التي تصعد فيها جبل (موسى) عند المنتصف الليل لتصل قمته قبل الشروق لتستمتع بهذا المنظر البديع مع قرابة الألف سائح يوميا -هذا الرقم ليس في أيامنها هذه بالتأكيد- من مختلف الجنسيات والأديان.. وتزور الدير عند النزول عن الجبل وترجع إلى القاهرة صباح اليوم التالي.. هي زيارة خاطفة مدتها 3 أيام ولا تصل تكلفتها الإجمالية إلى 250 جنيها.

صحيح أنها خاطفة وأنها الزيارة الأولى لكنها البداية بالتأكيد!