الاثنين، 1 أكتوبر 2012

عن مدينة النجوم

.

سأكتب لأنَّ صديقتي تدخل إلي بيتي ولا تجدني
تفتح المدونة ولا تجد كلامًا جديداً

سأحكي لها عن مدينة النجوم التي قفزتُ داخلها فجأة مع صديقي الصغير
مع دميتي الصامتة التي تبتسم وتهتز كلما دخلنا مغامرةً جديدة

صفحة السماء صافية ومتلألأة جداً .... لا أرغبُ في عد النجوم هذه المرة
وكلما حاولت توصيل خطوط الخيال بينها لا يظهر لي أي شكل
فقط القرنفلة الكبيرة التي تطل من أعلى والتي يقول الساحر أنها (العقرب)
لكنني حين أنسى السماء وأنخرط في الحوار تبدأ الأشكال في الظهور
إنها تظهر فقط حينما أكف عن البحث عنها

أما صديقي الصغير الذي لا يحفظ أغنية سعاد حسني
فكان يسحِرُ كفَّه ليصير بساطًا لي أعبر به فوق الجبال العاليه
لكنه كان يذهب إلى النوم مسرعًا كلما نبتت على وجهي الورود

أما الساحر فلا يتكلم معي أبداً
كان يهمس بالتعليمات إلى صديقي الصغير فقط
وأنا أركب بجواره في العربة الضخمة
وأنظر إلى الجبال التي تطل منها وجوه تصرخ وتماسيح وديناصورات
لكنَّ الورد الصغير كان يحرص على متابعتي
فاستقبلني حين وصلت وسكن شعري قليلاً

أنام تحت لمبة صفراء صغيرة وألواحٍ خشبية قديمة
أتأمل السقف ولا أسقط في النوم
إلا بعد أن أمرُّ على التفاصيل الصغيرة التي حدثت وأتذوقها مرة أخرى وأبتسم


كان عليَّ أن أتحدث العربية كي لا يظن الناس هناك أنني من البلاد البعيدة
أريدُ أن أسكن مدينة النجوم ذات يوم لكنني لا أصلح لأي عملٍ هناك
صديقي يغزل معي معجزة صغيرة ويصفق لي في نهاية الأمر
قدماي تتألمان وتبدعان في رسم الطريق

أنا أتألم وأنمو بين كل هذه الصخور ...
أتذوقُ الشغفَ الخالي من الشوائب والناس،
أفرح بالفراشات الملونة التي تطير حولي
ولا أصدق هذه المرة أنهم ينقلون الرسائل إليَّ ، ربما أنا التي تنقل إليهم الرسائل هذه المرة
لكنَّ فراشة صفراء في اليوم الأخير كانت تحوم حول المصباح الصغير
تقترب وتبتعد ثم تدور وترتبك رفرفتها وتختقي
هذا الضوء السام قتل فراشة أخرى أمام عينيّ 

في المطبخ أتقاسم اللطف مع الأطباق وسائل التنظيف والتوابل وحوض الغسيل
صديقي يسحرُ ذاتَه فيكون أبي مرةً وأخي مرة أخرى
يرتدي قبعتي ويبتسم في الصباح
يقطف لي زهرة الزعتر ويطلب من الصخور أن تسامحه

أتمتع بالوجود داخل عائلة كاملة
أبي يبتسم من هناك ويطلب مني أن أصدق الدفء ولو لمرة واحدة
لكنني حين أتأمل النار المنعكسة على الوجوه
أتذكرغادةً منسية كانت تلعب معي ذات يوم وتغني للنار كي تستيقظ

ماذا أحكي لكٍ أيضًا يا صديقتي
لقد شاهدتُ شجر الليمون للمرة الأولى بحياتي ولم يكن ذابلاً كما يقول محمد منير
لقد أحببته مثلما أحببتُ البئر التي يتكلمون عنها ولم أرها أبداً



في الأتوبيس لم يلمس النوم عينيَّ لكنني رأيت البحر يتسع ويضيق
رأيتُ البحر وغامرت بذاتي داخل دائرة خَطِرة ومخيفة
شرط الذهاب هناك
أن أكف عن الأسئلة وأتمتع بالجهل
وأقبل كل البدايات والنهايات الطازجة دون أن أستخدم إجابات سابقة التجهيز

لقد انتصرتُ لذاتي
لطبيعتي الحارة / الصافية / الناعمة / الصاخبة / الحادة
أنتصرُ للإجابات المكسورة التي تحمل لون الخطأ
لكنني أشبه كل هذا حينما لا أرتدي قناع العقل والاتزان
حينما أئتنس بذاتي فقط
أصبحُ إجابة مكسورة ملونة بالصواب والخطأ


....

غادة خليفة  السبت, يونيو 23, 2012

2600 متر فوق سطح البحر



إنها ليست إحدى روايات جول فيرن على أية حال ولكنها تجربة حقيقية  يتم سردها بطريقة خيالية

 ثم أما قبل

لم تكن تجربة الذهاب إلى سانت كاترين فكرة جديدة بل كانت قديمة قدم المعرفة بالمكان نفسه وتراود الفكرة عقلي بين الحين والأخر ثم تشتعل أكثر في كل مرة ينادي أحدهم للذهاب إلى هناك ، المرة الأولى كانت عام 2010 على يد الصديق العزيز محمود عابد وكانت دعوة لم تلبث رياح الكسل والدعة أن عصفت بها .

وبعد عودته من الرحلة وما إن حكى لي عابد ما جرى إلا وبدأت نفسي تتوق للذهاب إلى هناك ، وقبل هذه الدعوة كانت صديقتنا اليونانية  الدكتورة فلورا فافيا تحكي عن ذهابها المستمر إلى هناك وعن أحد الأبحاث الفلكية التي تجريها هناك وعن الراهب الذي يملك نسخة فريدة من كتاب فلك قديم وكانت قد التقطت صورة فوتوغرافية له ولم تجدها عندما كانت تحدثني لكي أراه _ لا تتصور مقدار الحسرة التي شعرت بها وقتها.

هذا فضلاً عن حكاية عابد في تلك المرة التي رأى فيها أقصى استطالة لعطارد والتي جن جنوني وقتها – يا ريتني كنت معاهم – فما رأه ذكرني بحكاية بطلميوس وهو يرصد عطارد في أقصى استطالة لوضع نظرية عامة  للكوكب وتذكرت الأرصاد التي دونها في المجسطي وعندما أخبرت د فلورا لاحقاً قالت لي أنها رأته أكثر من مرة وأن هذا طبيعي – يعني أنا الوحيد الذي لم يره L .
ثم كانت تلك المرة ، وقبل البدء رصد هيبارخوس النجوم ووضع لها أقداراً كل حسب شدة إضاءته - والتي لا زالت تستخدم حتى الأن – وكان هذا في جزيرة رودس ، مسكين لم يسمع بسانت كاترين. كذلك كتب بطلميوس كتابه الشهير في الأسكندرية أو قريباً منها فله العذر أيضاً فلو سمع بسانت كاتري لما وجد مكاناً أفضل منها .

وكأني بالرجلين يجلسون فوق جبل كاترين يعلمون الناس الفلك وما أنزل على الكلدانيين ببابل.

ثم كانت الرحلة التي تتصورها مشهدا من كوميديا دانتي اليجري وهي رحلة يمكنك بتسميتها الصعود إلى الملكوت ، الملكوت المحروم منه بني البشر ممن يسكنون المدن وتجهزت للرحلة والبرنامج غير واضح ولكن لا يهم  إنها المغامرة يا صديقي .

-          أهم حاجة الكشافات يا أسامة
-          حاضر يا محمود

المغامرة هو الشيء الذي في أثناء عمله تتساءل :لماذا أنا هنا وما الذي جاء بي إلى هنا ، هل أنا مجنون مثلاً ، ما الذي حدث لي؟؟؟!!

فوق الجبل قيل لي لماذا صعد موسى الجبل ولماذا صعد محمد صلى الله عليه وسلم  أيضاً – وأنت فوق جبل كاترين يراودك شعور غريب وهو أن موسى في مكان ما يراقب أو أنك من الممكن أن تراه في أي وقت – الصعود يعني الارتقاء – وقفت قليلاً لكي أتأكد أن الهمزة في " الارتقاء"  وصل أم قطع؟؟ – الصعود يعني نبذ الأرضية الصعود يعني الطموح والألم والمعاناة والاجتهاد وأحياناً يعني الصعود إلى أسرار نفسك وخبايا الحكمة وما خفي عنك ، ربما تعرف في نفسك شيء فوق الجبل لم تكن تدركه قبل ذلك .

دعك من أنه على الأرض – خدت بالك من ( دعك ) دي – ربما يمر بك شخص ما ولكن من المؤكد أنه فوق الجبل لن يمر بك أحد ما .

-          خد نفسك من أنفك وحاول أن تجعل معدل خطواتك هو نفسه معدل أنفاسك
-          حاضر يا محمود
-          وأهم حاجة أن تجد الريثم الخاص بك

ليس من الجيد أن تصعد الجبل في العاشرة ليلاً وأنت لم تجرب أن تصعده لا هو ولا أي جبل قبل هذا كأنك تمشي في وسط البلد هتشتري كتاب من الشروق وتعدي على قويدر تجيب أيس كريم عادي كده  .

شيء ما همس إلينا : الجبل قريب جداً ولكن كلما اقتربت منه يبتعد أكثر كأنما يغريك للوصول إلى القمة لا شيء سيوقفك فقط مقدار ما تتمتع به من تحدي وطموح كأنك تروض حيوناً مفترساً تظل تصارع حتى تصعد قمته ساعتها فقط يلين لك ويحكي لك أسراره .

-          هل رأيت موسى وهو يقول " وعجلت إليك ربي لترضى"
-          أه وهل رأيت كيف رد الله عليه

وابتدأنا في الصعود وما إن ذهبت  إضاءة المدينة حتى ظهر لنا  بين الجبلين ما اصطلحنا عليه بالجبل السماوي  وهو عبارة عن التجويف بين الجبلين واللذان يظهران ليلاً كأنهما الظلام نفسه بينما يتكون بينهما جبل لطيف قوامه النجوم وقمته عند رأس الوادي وربما في تلك الأثناء كانت هناك ملائكة تهبط في هذا الوادي او تصعد الجبل السماوي إنس تصعد جبل أرضي وملائكة تصعد جبل سماوي وكل في فلك يسبحون .

-          الوادي ده اسمه الأربعين ، مجرد ما هنخلصه إلا وهنبتدي نطلع الجبل

أربعين ؟؟ ، هل هي سني التيه فهناك شئ غريب قد حدث ، فما ‘ن انتهينا من الوادي إلا وقد ضللنا الطريق

-          محمود احنا دلوقتي المفروض ندور شمال ولا يمين
-          يمين
-          متأكد
-          أيوة ، يلا
-          ايه ده ، حاجة غريبة احنا بتحرك عمودي على المسار اللي في جي بي اس
-          طب خلينا ماشيين
-          لا احنا كده توهنا
-          نرجع تاني لنفس النقطة ونفكر

أحسست وقتها كم أنت عظيم أيها الجي بي إس بالرغم من أنك انهيت على البطارية إلا أنه ظهرت له فائدة حقا ، فلترقد في سلام حتى تنعشك الكهرباء مرة أخرى.

جنون أن تفعل ما فعلنا ، وستفقد الكثير من المتعة حقاً ألا تفعل

وبدأنا الصعود ، من العجيب أن الصعود يتم في زجزاج على شكل حلزوني وهو ما يعرف بالسماوات بالعروج – لا يعمل هنا القانون الأول لنيوتن – وهي طريقة غريبة كأنها مفتاح ما للدخول في عالم السماوات وقمم الجبال فأي حركة في السماء تتبع هذه الطريقة حتى الأقمار الصناعية تدور حول الأرض وفي نفس الوقت فإن الأرض تدور فيظهر العروج بشرط أن تكون خارج الإطار

-          تعرج إليه الملائكة والروح
-          إيه؟؟ ( ليست على الطريقة الشفيقية ولكنها استفهامية ).

المهم أن تكون خارج الإطار لكي ترى هذا العروج !!!!
دعك من سخافات النسبية ، جلسنا نستريح قليلاً النجوم قريبة جداً كأنهم أصدقاء ، الشعور بالأمان هنا يثير الخوف حقاً – بالرغم من أننا بمفردنا في دائرة قطرها 6 كم غلى الأقل ولا توجد إضاءة سوى إضاءة الكشافات والنجوم – ولكن لا توجد ذرة من الخوف !!!

-          ايه ده مش ممكن
-          هو ايه ؟؟
-          ازاي الدب الأكبر في السمت ؟؟؟

كيف ؟، ما الذي حدث ؟ صحيح أننا لم ننم منذ وقت طويل بعد سفر أكثر من 7 ساعات وصعود جبل دون دقيقة نوم واحدة ولكن ما زلنا نحتفظ بجزء من عقولنا ونحن فلكيين ونفهم أن الدب الأكبر لا يكون أبدا في سمت أي مدينة مصرية ، هل سمة خدعة ما ، هل انتقلنا إلى بعد أخر يختلف فيه وضع النجوم ؟؟ - يبدو أنني بدأت أهذي فعلاً – بعد فترة اكتشفنا اننا نقف مائلين على الأفق ولذلك كان الست الخاص بنا أقل من السمت الحقيقي للمكان .

-          هل اقتبربنا
-          نعم
-          ناقص كتيير ؟؟
-          بص هو احنا لو وصلنا البلاتوه هنستريح وناكل هناك
-          طب فاضل كتيير على البلاتوه ؟؟
-          لأ

البلاتوه ذلك الحلم الذي طال انتظاره ، ينقسم الصعود إلى جبل كاترين إلى مرحلتين أساسيتين  المرحلة الأولى وهي الصعود إلى البلاتوه أظن أننا وصلناها قرب الثانية صباحاً .وما علامتها ؟ ، علامتها أن ترى الأفق الغربي أنت في المرحلة الأولى لا ترى الأفق الغربي أبداً لأنك تصعد الهضبة من جهة الشرق فدائماً لا ترى إل الشرق

-          ايه يا محمود فاضل كتير ؟؟
-          لا خلاص
-          انا تعبت جداً
-          المشكلة اني حاسس اننا بنلف حواليها ( الكلمة دي اتقالت كتيير في اليوم ده )

واسترحنا وأكلنا وشربنا والنعاس بدأ يطاردني ، دعك من أني في المعتاد أنام العاشرة ليلاً فما بالك بعد يوم مشحون من السفر ، لماذا أتيت إلى هنا ؟؟!!

-          طب هو بعد البلاتوه هيبقى  فاضل كتيير عشان نطلع قمة الجبل ( في اليوم التالي كم أن هذا السؤال في منتهى السذاجة يذكرني هذا السؤال بالسؤال الشهير للطفل الذي طلقت أمه والإجابة التقليدية أنها بتشتري حاجة وجاية  !!!)
-          مش فاكر طلعناه في نص ساعة ولا ساعتين
-          حاول تفتكر  ( أحمد الله كثيراً على أنه لم يتذكر لو قال لي الحقية وقتها لنمت في مكاني منتظراً الصباح ، يبدو أن الزهايمر المبكر يفيد أحياناً )

الفكرة التي استوعبتها في اليوم التالي عند النزول أن هذه الهضبة هي هضبة رئيسية تقع فوقها العديد من الجبال منها جبل سانت كاترين ، ولتتصور معي أنك إذا مساراً خاطئا من فوق الهضبة ستصعد جبل لا تريد صعوده وإذا صعدته بالخطأ لن يصبح لديك مجهود لإعادة المحاولة فضلاً على أننا لا نعرف الطريق أصلاً وكذلك نحن نريد النوم في الغرفة أعلى جبل سانت كاترين  وهي غير موجودة على جبل أخر بمعن أننا سننام على الأرض ولا أريد أن أخبرك عن درجة الحرارة وقتها حوالي 5 درجات   ، ارتفاع هذه الهضبة حوالي 2200 متر تقريباً إذاً يبقى لنا 400 متر للوصول إلى قمة الجبل .

إذا فلنصعد الجبل ، لايهم إذا كان الوقت هو نصف ساعة أو ساعة ونصف النقطة الأهم هو أن نضع أرجلنا على الزجزاج الخاص بسانت كاترين ولا نضيع وبعد محاولات ومجهودات ابتدأنا في الصعود وإذ فجأة شهق محمود قائلاً

-          المفروض برج الاتصالات ده يبقى يمننا لما نوصل الغرفة
-          اومال هو على الشمال ليه
-          حاجة غريبة واضح ان إحنا بندور حول الغرف ( هل تتذكر هذه الكلمة ؟؟!!)
-          لأ ، هنوصل ان شاء الله عشان معنديش استعداد إني أطلع حاجة تانية النهاردة

نفس الموقف الذي حدث لنا ونحن في الطريق إلى البلاتوه حدث أيضاً ونحن نبحث عن الغرفة نظن أننا ندور حولها أو أننا ضللنا الطريق وفي تلك الأثناء يعلن الهاتف أنه يتخلى عنا رسمياً ، لو تقدمت لاحترقت ولكن لو تقدمت بكم بصيرتكم لاخترقتم – إذاً لا اتجاهات ولا ارتفاعات

-          مش قادر يا محمود
-          قربنا

في هذه المرحلة منا نمشي عشرة دقائق ونستريح ربع ساعة ، لم أعد أتحمل ،  لياقتي كانت لا تساعدني – وأدي أخرة الأنتخة ، تباً لقعدة المكاتب – فظللنا نصعد لا يوجد خيار أخر ونخشى أن نضل الطريق

أمل ثم يأس ثم أمل يعقبه يأس ويشفع له أمل أخر هكذا كان الطريق والنجوم هي الشيء الوحيد المسلي في هذا الجو تقول لنا بصوت حنون : ستصلوا لا تقلقوا ، كلما استرحنا نظرنا إليها تحدثنا ونحدثها ، إن هذا المشهد لهو بالدنيا مجتمعة .

-          شايف الطريقين دول اللي قدامنا
-          أيوة ( ليست على الطريقة العكاشية حيث أن أيوة العكاشية هي في الحقيقة أيون وهي لغة من لغات البط  )
-          واحنا نازلين افتكر مننزلش على طوول وناخد شمال
-          حاضر ( بالتأكيد لقد جننت ، لماذا أوافق هذ المجنون دائماً وكأنني سأتذكر هذا الطريق ونحن ليلاً ولا نكاد نرى إلا تحت قدمينا )


وجلست لا أستطيع الصعود لظننا أننا ضللنا الطريق وعاد محمود من نفس الطريق يتأكد أننا لم نضل – لا أدري بالضبط يتأكد من ماذا – ولكنه عاد وبعد قليل أشار إلى أننا لا سبيل أمامنا سوى التقدم .

وأخير في الرابعة والنصف وأنا جالس بعد أن خارت قواي وسمعت صوت نبضي ربما كان علي أن أجلب أحدهم من موسوعة الأرقام القياسية ليسجل نبضي في هذه اللحظات وقد استبد بي التعب وكلما جلست غفوت في النوم ، إذ بصوت محمود يعلن أننا أخيراً وجدنا الغرفة ، نحن الأن فوق قمة جبل كاترين ، ودخلنا الغرفة عبارة عن غرفة صغيرة أرضيتها من الخشب وجدرانها مبنية من صخور الجبل ولها باب خشبي ، دخلنا وأضأنا الشموع وجلسنا نستريح .

-          دلوقت هنعمل إيه
-          هنراقب الشروق ، وبعد كده ننام

المفترض أننا سننزل قبل الثانية عشرة ظهراً لمحاولة اللحاق بدير سانت كاترين ، وجلسنا ننتظر الشروق وتأخذنا سنة من النوم بين حين وأخر نغفو قليلاً ثم نستيقظ ونغفو وهكذا حتى بدأ الشروق ، السماء صافية جداً ، الشمس تحاول اختراق الأفق من الأسفل بحافتها ، السماء متدرجة الألوان الجبال البعدية تظهر عليها الضباب ، في هذا الارتفاع تظن أحياناً أنك أعلى من السحاب ، الشروق في هذا الوقت كان هو المطهر لنا من كل تعب وجهد ، كان هو الثمرة ، كان إيذانا لنا بأن الجبل الأن مستعد ليحكي لنا أهم أسراره فقط كل ما علينا هو النوم وبعدها سيحكي لنا ، سيقول لنا كل شيء ، انتهى الشروق وصعدت الشمس في الأفق الغريب في الأمر أن سرعة الشمس كانت كبيرة جداً كأنما أحست بلهفتنا لها وأشفقت علينا كي ننعم بالنوم .

ظننا أننا سننام ولن نستيقظ قبل الواحدة ظهراً ولكننا نمنا ساعتين فقط وقمنا من أثر البرد ، فالخطأ الكبير الذي ارتكبناه أننا عندما دخلنا الغرفة كانت دافئة ولكننا تركنا الباب مفتوحاً لكي ننظر إلى الشروق فدخل السقيع إلى الغرفة لذا صارت عبارة عن ثلاجة منعتنا من التلذذ بالنوم .

هذه الغرفة تقع أسف القمة بحولي العشرين متراً ، توجد أعلى القمة كنيسة صغيرة وبجوارها توجد صخرة من طراز الصخرات التي تصعد فوقها لتقول أنا الملك أظن أنني قلتها وقتها وبجوار هذه الصخرة يوجد صندوق صغير به دفتر يدون الصاعدون فيه رغباتهم أو أمنياتهم بعد رحلة الصعود ، كتبت كثيراً عن النجوم وعن خطيبتي التي كدت أجن لأني كنت أريد أن أحدثها ولكن موبايلي مغلق فضلاً عن عدم وجود شبكة وشكرت رفيقي ولا أتذكر الباقي.

تناولنا الإفطار وقررنا النزول ، ولكن للنزول قصة طويلة لن أسردها ولكن المثير في الأمر أننا كدنا نضل الطريق نهاراً ونحن ننزل أكثر من مرة وهو ما لم يحدث في الليل

أعتقد أنني سأجرب هذه الرحلة مرات عديدة لكي اكتشف في نفسي ما لم أكتشفه من قبل


أسامة فتحيon Tuesday, 3 April 2012








بنت الصحرا


(كاترينه)



(آدمي)
مجند يجفف ملابسه على سلك شائك
وشرطي بغيض خاف الثأر فاغتصب أجنبية
وسكير يهذي طوال الليل بالتناقضات في وطنه البعيد
وبرقوقة إسرائيلية تؤانس زيتونة
ومسيحي حزين لصومه دون صلاة في رمضان
وبنت سميت بصفة لأبيها لا لها

يزرع أحدهم شجر لوز ويحفر بئرا: سبيل
فيمر آخر بعد نصف قرن ويشتَمُّ الأول: رحم الله المؤخر
ويقول أحدهم: لا شيء أروع من المطر هنا
فيرد آخر: لا أروع من سطوع الشمس.. هناك

(ليل)
تتخذ الصخور شكل كل شيء:
ظبية وبنتها
شاة وظلها
حتى الجبال تصبح سحابات معلقة في السماوات
وتنتظم الطبيعة فيتبع صوت الطائر صورته
وتصير الزهرات البيضاء -تحت القمر- نجمات في مدى الكف

(حجر)
ينادي الوادي لا تصاحب الرمل فهو غيور
وأعر الصخر الثقة ليحمل نفسك عنك
وتحرك تزل ألم السكون
واخرج من كهف خروجا من رحم الحياة إلى الحياة
.
.
يشير إلى الجبل ويقول: كالحياة.. مليء بالاختصارات
وربما تفقد الطريق -عليه/إليه- لكنك لا تضيع الوجهة



هذا ليس نصا أدبيا وإنما محاولة للتعبير عن الزيارة الثانية لسانت كاترين ما بين 25 أغسطس و6 سبتمبر 2011



أثناء صعود جبل كاترينه

غروب شمس يوم 2 سبتمبر

شروق شمس اليوم التالي

كنيسة ومنزل (قمة جبل كاترينه 2600 متر فوق سطح البحر)

تين وزعتر ونعناع بري



كهف على جبل صفصافة

قمر وعصافير وصنوبر

نصف هلال

الحكاية



في الطريق لسانت كاترين ستعرف أن "الارهابي هنا في مصر ليس مسلم أو مسيحي بل شاب حكم عليه بالاعدام"* وأن آخر شئ تزوره يجب أن يكون أول مزار** وفي الليل ستعرف أن روعة القمر في نقصانه واكتمال السماء في اختفائه وأن صعود الجبل نصف الوحي وأن الحمار أفضل الكائنات عندما يحمل الماء على جبل موسى*** ولا حيوان سواه يصعد السبعمائة السلمة الأخيرة نحو القمة وأننا جميعا صلينا لله كي تشرق الشمس وأن مسار ليست سوى رقصة في مشية الجمل وأنك لن تحتاج للكتب السماوية لتشعر بقداسة الوادي وبركة الشجرة وأن درويش سيلقي عليك جداريته في هذه الصحراء.

ستحتاج (جوردون) ليريك السماء التي لم ترها من قبل وأن اللانهاية في عينك المجردة لا في عمق الكون وستحادث (ميشيل) لتوقن ألا اختلاف بيننا وستتعطل العربة التي ستقلك إلى معسكرك لكي تشرق عليك مجموعة الجبار كاملة في صورة التجلي ولأنك مصري ستحتاج دائما لاثبات هويتك وأن للعشب فينا رائحة التراب وأن للبدوي بين البشر ما للجمل في الصحراء وأن الشروق ينير الشئ بدءا من أعلاه لا أسفله.


أكتوبر 2010

*: شاب مسيحي رافقني في الذهاب
**: مركز الزوار بسانت كاترين
***: 2250 متر عن سطح البحر


شروق الشمس 7 أكتوبر 2010 قمة جبل موسى


جبل موسى من الوادي


دير سانت كاترين


الشجرة المباركة


مركز الزوار بمحمية سانت كاترين


تعيش على ارتفاع (1600-1800) متر من سطح البحر


جوردون وميشيل


الكَرْم ليلا


الجبار كما ستراه هناك لا زيادة لا نقصان


بيديه وقدميه ورأسه بحزامه وسيفه بهراوته ودرعه


أعلاه لا أسفله



شكر للأعزاء (رحالة)
اصحاب الفكرة والتنفيذ
لشرف لي أن كنت بينهم