الجزء الأول
إن بدو سيناء هم أناس أقرب للطبيعة وسوف يحتفظون بهويتهم البدوية طالما حافظوا على هذه الرابطة مع الأرض.وعلى الجانب الآخر لابد لهم من إيجاد وسائل جديدة من أجل البقاء حيث أن الطبيعة لها تقلباتها ولا يمكن للطبيعة وحدها -الآن- أن تمدهم بجميع أسباب حياتهم كما كان معهودا في السابق.
ويمكن للسياحة إذا طبقت بأسلوب عملي وواع أن تكون عاملا مؤثرا للحفاظ على العادات والتقاليد والبيئة الطبيعية وفي الوقت ذاته يمكن أن تشكل مصدرا من مصادر الدخل للأسر البدوية. ويوجد في الغرب الآن اتجاه جديد للبحث عن بدائل السياحة التقليدية والمعتادة ويمكن لمصر أن تصبح جهة جذب رئيسية للسياحة البيئية -المترجم الاهبل كاتبها الاقتصادية- . وهذا ليس فكرا دعائيا هدفه الترويج وكفى بل هو فلسفة وعقيدة تحترم الطبيعة والثقافة وتكفل حياة مستقرة للمجتمع البدوي تُبنى على تلك الفلسفة.
نحن تحت رحمة الطبيعة وهي أكبر منا بكثير وربما يصعب على البعض استيعاب تلك الحقيقة إلا إذا أمضوا وقتا يعيشونه معها بشكل كامل. ولو خضت هذه التجربة بحق ستجد نفسك مدفوعا لمتابعة دورات القمر وملاحظة ألوان شروق الشمس وغروبها وسف تحس لتباين الفصول طعما مختلفا عما اعتدته ومع كل سحابة تمر في السماء سترجو هطول المطر لأن الماء الذي اعتدنا الحصول عليه بوفرة في المدن هو شئ ثمين ونادر جدا هنا في وسط الصحراء والجبال.
"تُفرج".. هي كلمة يقولها الأهالي للتدليل على الهبات التي تتنزل عليهم من السماء وقد كان المطر متوفرا في الماضي بكثرة وبصفة دورية ويتذكر كبار السن نزول المطر كل أربعين يوما وتتدفق المياه من الوديان على مدار العام. حتى صغار السن يتذكرون ويتحدثون بحرارة عن تلك الأيام الخوالي التي شهدت حياة وفيرة مليئة بالخيرات وسط الجبال والصحراء. وما زال هناك المزيد من المياه في أعالي الجبال وفي باقي أرض سيناء هناك برك صغير من الجرانيت مملوءة بالمياه على مدار العام فضلا عن الشلالات الطبيعية والمياه التي تسيل بين الشروخ الصخرية طوال العام ناهيك عن توافر مئات من البساتين التي تتغذى على بعض الآبار القديمة.
لكن كما هو معلوم فإن "دوام الحال من المحال" وهناك تغيرات كبيرة في البيئة المحيطة. فالشتاء الماضي كان على غير العادة جافا مما أدى إلى موت العديد من الأشجار ومنها شجرة توت عتيقة في وادي جبال يناهز عمرها الألف عام. وتعد هذه الشجرة واحدة من ست أشجار فقط بقين من هذا النوع، تم زراعتها منذ أجيال مضت حتى يقتات عابرو السبيل على فاكهتها الزكية. وكان هذا الشتاء أسوأ فقد اقتربنا من فصل الربيع وما زال غياب المطر مستمرا فلا نقطة واحدة منه أو حتى ثلوج في أعالي الجبال وكان لا بد من التفكير في أسوأ الاحتمالات.
زولتان متراهازي (أو سلطان كما يحب أن يناديه البدو)
مجلة مصر الخالدة
العدد الأول: سيناء كما لم ترها من قبل
تصدر عن مركز توثيق التراث الحضاري والطبيعي